كتابات وأراء | أسامة غريب يكتب "هذه المره شاهدوا زحل" - 3 من سبتمبر 2011 - الأقســام الرئيسيــة

كتب:أسامه غريب

منذ أول يوم فى رمضان ونحن نعلم طبقا للحسابات الفلكية التى صدعوا رؤوسنا بها أن الشهر الكريم سيكتمل ثلاثين يوما، وأن أول أيام عيد الفطر سيكون الأربعاء 31 أغسطس، فما الذى حدث وجعل القوم يفاجئوننا بأن الهلال قد باغتهم وظهر على غير توقع، مما جعل الثلاثاء 30 أغسطس هو أول أيام العيد؟ هل يا ترى غافلهم الهلال المكار ودخل عليهم على سهوة (مثل مِسْعِد)؟ فى الحقيقة أن الهلال المسكين لم يفعل شيئا لكن الذى فعل هو مجاذيب السعودية الذين يتلاعبون بالعالم الإسلامى ويفرضون ما تجود به حفرياتهم علينا، فمرة يرصدون كوكب عطارد ويصومون لرؤيته متصورين أنه القمر، ومرة يرصدون كوكب المشترى ويفطرون لرؤيته ظنا أنه القمر أيضا. هذا العام قاموا كالعادة بركل الحسابات العلمية وضربها على قفاها لكنهم على سبيل التغيير رصدوا كوكب زحل وجعلونا نفطر بينما رمضان لم ينته!

لا أدرى حتى متى سنظل فى أمور ديننا ودنيانا أسرى ما يأتينا من مملكة الأنس والسرور، التى ما زالت تعيش فى القرن الرابع عشر، وما زالت تؤمن بما أعلنه مفتيها الراحل ابن باز بأن الأرض غير كروية؟

لقد كنت أجلس مع مجموعة من الصحفيين من أوروبا وأمريكا وكان الحديث يدور حول الأوضاع السياسية فى المنطقة وأحوال العالم العربى المتدهورة، عندما فاجأنى أحدهم بالتساؤل: لماذا لا يأتى أول رمضان عندكم دائما فى أول رمضان؟ قلت: ماذا تقصد؟ فقال: إن عيد الاستقلال لدينا يأتى كل عام فى الرابع من يوليو، ولم يحدث أبدا أن جاء يوم 5 أو 6 يوليو، كما أن الولايات الخمسين تحتفل كلها بالعيد فى نفس اليوم.. 4 يوليو فى كاليفورنيا هو نفسه 4 يوليو فى فلوريدا، فلماذا نجد لديكم أن أول رمضان المصرى هو ثانى أيام رمضان السعودى، وأن أول رمضان الليبى هو ثالث أيام رمضان اللبنانى.. وهكذا.

أثارت تساؤلاته المنطقية وجيعتى ونكأت الجرح الذى نحمله جميعا، وسبب هذا الجرح أننا نعلم أن تحديد أوائل الشهور العربية وبالذات أول رمضان وشوال وذى الحجة لم يخضع أبدا لا للرؤية بالعين المجردة ولا للحسابات الفلكية ولا لأى قياس منطقى ومحترم، وإنما يخضع دائما للمزاج والهوى! مزاج السادة الحكام وهواهم. فمثلا كان القرار السياسى يصدر فى فترة مصر الناصرية غالبا بتحديد أول رمضان بما يخالف ما أعلنته المملكة السعودية، أما فى فترة حكم الرئيس السادات وبعده الرئيس الملعون فلم يحدث أبدا أن خالف هلال رمضان المصرى أخاه الهلال السعودى، وهكذا كان أمر الهلال يخضع للهوى والمزاج فى كل البلاد العربية، وكان العناد والكيد هو العامل الحاسم فى تحديد أوائل الشهور.

ولهذا أعتقد أنه من الطبيعى أن ينتهى هذا الهزل الآن، ليس لأن الحكام العرب أصبحوا يحترمون العلم الذى يستطيع تحديد أوائل الشهور العربية للسنوات الألف القادمة، لكن لأن الدول العربية التى كان يفرقها التناحر والتنابذ والتقسيم لرجعية وثورية قد تم توحيدها وأصبح يجمعها كلها رباط واحد هو تبعيتها للسيد الأمريكى وعدم قدرتها على عصيانه فى أى صغيرة أو كبيرة، ولو أنصف السفراء الأمريكان لوزعوا تعميما على موظفيهم الذين يعتلون العروش العربية وحددوا لهم أوائل الشهور العربية!

لكن على العموم لا أود أن أنهى حديثى قبل أن أعلن عن افتقادى لمسة الأخ العقيد هذا العام، الذى كان ينتظر أن يعلن أشقاؤه الموكوسون عن رؤيتهم الهلال حتى يخالفهم ويعلن أشياء جديدة تناسب ظروفه، وقد كان له فى هذا المضمار إبداعات ليس أعجبها مده شهر رمضان ليصل إلى اثنين وثلاثين يوما أحيانا، أو قصره ليتوقف عند اليوم الثامن والعشرين.. آه والله!

(جريده التحرير عدد الجمعه 9/2)