بقلم: جواد البشيتي
   
فمنهم من سقط, ومنهم من يَنْتَظِر; ولقد سقط, اليوم, ثالثهم, “أسد ليبيا”; وإنَّ غداً لَيَوْم السقوط لرابعهم, “قذافي سورية”, إلاَّ إذا نازَع اليمنيون أشقاءهم السوريين الحقَّ في أنْ يكون “صالح مُنْتَهي الصلاحية” رابعهم لا خامسهم.
ما أنْ وصلت طلائع ثوَّار السابع عشر من فبراير إلى “الساحة الخضراء”, وطوَّقوا مَعْقِل الطاغية, ورمز حكمه المطلق, في “باب العزيزية”, حتى أخبرني أحد المُصدِّقين لـ “خطاب الإنكار” للحاكم العربي, في الرُّبع الأخير من ساعة حكمه الأخيرة, ومِمَّن يستبدُّ بهم وهم أنَّ “الحقيقة” هي كل ما يُفكِّر فيه الحاكم العربي, وينطق به, أنَّ بشار الأسد غير معمر القذافي, وأنَّ ما حلَّ بـ “أسد ليبيا” لن يحل بـ “قذافي سورية”; أمَّا الدليل (المُفْحِم) على صِدْق ما قال, أو على وجاهة ما يقول به, فهو كلام بشار الأسد, قبل سويعات من سقوط القذافي, ولهجته, والهيئة التي ظهر فيها; فـ “العلامات” التي أراد الأسد الابن أنْ يرينا (ويُسْمِعنا) إيَّاها ليست “علامات سقوط (وشيك)”, وإنَّما علامات بقاء (وطيد) لحكمه.
وبعدما اتَّخَذ مِمَّا يعوزه الدليل, ويحتاج إلى إثبات, في مزاعم الأسد, “مُسَلَّمةً”, بها يقيس “الصواب” من “الخطأ”, و”الحقيقة” من “الوهم”, شرع يُقارِن بين “القذافي” و”الأسد”; وكأنَّه يريد أنْ يُقْنِع نفسه, عَبْر سعيه (الظاهري) إلى “إقناعي”, بأنَّ القذافي سقط; لأنَّه مُمْكِن (وضروري) السقوط, ويملك ما يكفي من “مقوِّمات السقوط”, وبأنَّ الأسد لن يسقط; لأنَّه ليس من جنس القذافي, وخالِصٌ من خواصِّه السياسية, أي من مثالبه في الحكم, ويملك ما يكفي (ويفيض) من “مقوِّمات البقاء (لا بل الخلود)”.
لقد أنكر (سائراً على نهج الأسد نفسه) وجود النهار حتى عندما تكون الشمس في كبد السماء; ثمَّ تحدَّاني طالباً الدليل على وجود النهار; فهل يَصِحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل, وإذا ما اقتضت مصلحة بشار أنْ يُنْكِر بديهية كبديهية “أنصاف الأشياء المتساوية متساوية”?!
إنَّهم ما أنْ يُزوِّروا, إعلامياً وسياسياً, وحتى فكرياً, الحقائق, أي حقائق واقعهم وحالهم, وحقائق واقع وحال شعبهم وثورته, حتى يُسْرِعوا في تصوير هذا المزوَّر من الحقيقة على أنَّه الحقيقة التي لا ريب فيها, ناسين, أو متناسين, أنَّ “النقد المزوَّر” هو خير دليل على وجود, ووجوب وجود, “النقد الحقيقي”.
إنَّني رأيتُ بشار, وفي الهيئة التي أراد أنْ يظهر فيها, وسمعت كلامه الذي مداره الرغبة (أي رغبته هو) في أنْ يُقْنِع نفسه, لا غيره, بأنَّ نظام حكمه عصيٌّ على السقوط, وسيكون الصخرة التي عليها تتكسَّر كل ريح; ثمَّ قارنتُ بينه وبين القذافي في خطابه الثالث, في يومٍ واحد, والذي وجَّهه إلى شعبه قبل خمس دقائق, فحسب, من سقوطه; وإنِّي لأدعوكم إلى أنْ تقارنوا بينهما, أي بين “الزعيمين”, أو بين “الخطابين”.
قبل خمس دقائق فحسب من سقوطه ظَهَر القذافي, أو أظْهَر نفسه, في خطابه, على أنَّه الصخرة التي لا, ولن, تهزها ريح, مهما اشتدت وعَنُفَت, و”القائد التاريخي الأعظم” الذي يقود ويُسيِّر الملايين, من الليبيين وغير الليبيين, إلى ما يرضيه, والذي يحبه الشعب حُبَّاً يصعب تمييزه من العبادة.
لو لم يسقط عقيد ليبيا, وعميد الزعماء العرب, وملك ملوك إفريقيا, وذو الأُفْق الذي يسع كل شيء ولا يسعه شيء, بعد خمس دقائق فحسب من “خطاب القوَّة” الذي وجَّهه إلى “شعب ليبيا العظيم”, لقال القائلون به وبنظام حكمه إنَّه باقٍ في الحكم ولو فَنِيَ المحكوم; لكنَّنا, والحمد لله, من قومٍ لا يَزِنون القائل (ولو كان القذافي أو الأسد) بميزان أقواله, ولا يملكون من الأسماع ما يشبه سمعه, ولا يرونه من خلال “صورته الإعلامية”; فليس من شَبَهٍ, ولو ضئيل, بينها وبين “الأصل”, أي الواقع الحقيقي (الموضوعي) لنظام الحكم وصاحبه.
المقال من : أخبار الثورة السورية
|